ثمّة ما يُثير السخرية حقًا… عندما يقترب منك أحدهم، بعينين ونبرة مملوءتين بالشفقة المصطنعة، وصوت مبلّل بالحكمة الزائفة، ويقول: “أردتُ فقط أن أنصحك.” النصيحة؟ لي؟ كأنني تائه في صحراء الجهل، وجئتَ أنت بدَلو ماءك المملوء بالهواء… يانونو انا لست نُسخةً ناقصة من الوعي تنتظر ترقيعك. أنا أقرأ النوايا من قبل أن تفتح فمك، وأفكّك خطابك وأفهم دوافعه قبل أن تستعرض معرفتك المصطنعة… واقرأ نبرتك دون ان تبوح بها! إن كنت تظن أن الناس يمشون في الحياة بحاجة مستمرة لنصائح، فأنت لا تفهم شيئًا عن البشر. النصيحة، في أصلها، فعلٌ نبيل… لكن حين تُقدَّم دون طلب، تتحوّل إلى استعراض، إلى انتفاخ ذاتي، إلى شخص يتقيّأ ما يظنه حكمة فوق رؤوس الآخرين. وإن في كثير من طيات النصائح حسد! أسوأ من يُعطي النصيحة؟ ذاك الذي يعتقد أنّه يعرف، فقط لأنّه تكلّم ويسقط تجربته المختلفة عليك! وما أجمل ذاك الذي يقول: “إن شئتَ، خذها، وإن لم تعجبك، فتخلَّ عنها وارمها في القمامة.” وما اسوأ ذاك من يرميها في وجهك وكأنك حاوية نفايات روحية، ثم يقف بجانبك منتظرًا أن تقول له: “أنقذتني شكرًا لك ايها المسيح المخلص.” لكنّي لم أطلب، ولم أمدّ يدي، فلا تلعب دور المُنقذ فوق مسرح لم يُكتب لك ولم تدعى اليه!. وإن اضطررت أن تنصح، فافعلها متواضعًا، خفيفًا، كأنك تمرّ بظلّ شجرة لا تملكها، وقل للآخر: “هذه رؤيتي، ولك أن تهملها وأن لا تعيرها اهتمام ان لم تعجبك.” فذاك هو الفرق بين الإنسان…وبين من اختبأ خلف قناع الحكمة، وهو في الحقيقة لا يحتمل أن ينظر إلى نفسه دون مرآة الآخرين…
أنقذتني؟ لا يا مسيح الزيف
نُشر بواسطة مدونة عبدالإله فاضل
إنسان في بداية حياته فجأة وعي ، ولقى نفسه في عالم مجنون .. يكتب عشان يعيش ويعيش عشان يستمع بالفن .. وحيفضل يدور عالأمل حتى لو كان في خرم إبرة. مشاهدة كل التدوينات بواسطة مدونة عبدالإله فاضل
منشور