شياطين وملائكة

إن البشر من الصعب تخمين و تصوُّر أسباب إنفعالاتهم ، أسباب حديثهم الفُلاني في الوقت الفُلاني .. هل أنت تفهمهم على النحو الذي يريدونه ، أم على النحو الذي تريده أنت؟ .. كل شيء نسبي .. إنني أخجل في كثير من الأحيان أن أكون بشري ، أن أكون منتمي لهذا الجنس الذي يتفشَّى في تاريخه العنف والقتل والظلْم والخيانة .. إن العدل والخير في تاريخنا كبشر حالة شاذة ، وما أكثر أن يستأنس الإنسان وأن يتغنَّى على الحالات الشاذة في التاريخ .. إن البشر كائنات تعيش على المصلحة ، إننا كائنات في داخلنا الحسد ، في داخلنا النفاق ، في داخلنا الحقد ، هذه هي فطرتنا الحقيقية ، وليست كما يصورها لنا الإنسانين والمتوهمون بأن الأصل في الإنسان الخير ومايجعله شرير الظروف ، وكأن الظروف أتت من القطط و النباتات! .. نحن الجنس البشري من دمر الأرض بالحروب والقتل .. نحن البشر من أنشأنا معتقدات شريرة ووضعناها في قوالب ملائكية لكي نسيطر على البشر الآخرين .. والبشر الآخرين تقبلوها وعملوا بها رغم وضوح الشر فيها بالشكل الجَلِي وذلك لأن الأصل فينا الشر .. لاوجود للشياطين فنحن الشياطين .. إن البشر الطيبون المرهفون الصادقون قلَّةً في عالمنا وتاريخنا .. وما أكثر أن نخدع بأولائك البشر الذين يدَّعون الخصال الحميدة ، ويمثلون أنهم حاملين لها ، ولكنهم بعيدين أتم البعد عنها .. لقد وضعنا نحن البشر للشيطان دور مؤثر في حضارتنا وأساطيرنا ، ولم نضع للملائكة دور عظيم مؤثر كما للشياطين ، لأن الشياطين سماتها أقرب لنا من تلك .. لنعود للبشر النادرين (الإنسان الأسمى) في هذا الوجود ، إن هذا الإنسان يرهقه الظلم ويعذبه أينما وجده ، إن هذا الإنسان باءت محاولاته للمارسة النفاق بشتَّى أشكاله بالفشل .. فإنه صادق مع ذاته ومع الناس ، إن النِّفَاق والخداع المنتشر بين البشر يوماً تلو الآخر يرهقه ويعذبه ولا يطيق رؤيته أو ممارسته .. ولسان حاله يقول: هل سأُصبح في يوم من الأيام أسكت عن الظلم وأنافق فقط لكي أستمر بالعيش مثل البشر الآخرين؟ هل ضميري سيموت؟ هل سأكون بشري مثل معظم البشر؟!! هل الإنسان الأسمى هو الوهم الجميل في عالم الحقيقة والنفاق؟!! .. ولكنه يتذكَّر أن حتى الإنسان الأسمى من الجنس البشري…

وكما قال ديستويفسكي في مواساته للإنسان الأسمى:‏ ” أنتَ إنسانٌ طيبُ القلب، مرهفُ الشعور، عاطفي تلقائي، لا تُتقن النفاقَ ولا تحب المظاهر، وهذا مالا يحبُه الناسُ والمجتمع .. فالناسُ هنا يا صديقي مفتونةٌ بالمظهر، ولا تنسَ أنكَ فوق كل ذلك إنسانٌ حالمٌ، وليس في ذلك خيرٌ أيضاً “.

أضف تعليق