حديث الصمت

من خلال العنوان ربما يبدر في الأذهان أنني أقصد ذلك الشخص الذي يكون في الغالب صامت ، ولكن ملامح وجهه وهيئته تدل على فحوى مايريد إيصاله .. لا لا أنا أقصد حالة نادرة جداً .. أقصد ذلك الإنسان الذي إذا رأيته حسبته “ثرثار” وربما تراه وهو يصف نفسه بتلك الصفة .. تراه يستمتع بالإصغاء إلى الآخرين ، رغم أنك من الوهلة الأولى ستحسب أنه مثل أي ثرثار آخر فقط يهمه سماع نفسه .. من سمات هذا الإنسان أنه لايحب الصمت أبداً ، ويشعر في حالة حصول لحظة الفتور وعدم الكلام بين الشخصين بعدم راحة شديدة تكاد أن تقضي عليه!! .. أنا أتحدث عن شخص لا يحب الصمت ولا يرتاح له ، ولكنني أقول: أن في حديثه صمتُ عميق .. إنه يتحدث كثيراً ويصغي كثيراً رغم أن أغلب المواضيع التي يتفوه بها ويصغي لها لاتهمه وربما يعرف إجابتها مسبقاً .. إن هذا الإنسان عقله لايتوقف عن العمل أبداً ، فعقله مصاب: “بحمى التفكير الشديدة”.. يريد أن يهرب من الصمت الرهيب الذي إذا أستسلم له سيعذبه .. يريد أن يُشْغل عقله بأي شيء يبعده عن مايدور في ذهنه ، وذلك بالحديث والإصغاء للآخرين دون هدف: (الإجتماعية المفرطة) .. يحاول خداع عقله بجعله يتوقف عن التفكير والقلق بهذه الطريقة .. إنه لايتحدث إنما صمته هو الذي يتحدث ، صمته الحنون الظالم الذي لايريد أن يعذبه ، ولا يريد أن يساعده .. بمجرد سيطرة الصمت عليه ستشتد حمى التفكير والقلق عليه وهذا مايخاف منه .. إنه يهرب من عزلته المحتومة و يهرب من أفكاره المحمومة ، ولكنه كان دائما يعلم أن العزلة و الإبتعاد عن الناس الذي أفرط في مخالطتهم هي ملاذه الوحيد في النهاية .. هل سيقوى ويواجه الحمى المصاب بها ويعود لعزلته التي أفتقدها وأفتقدته؟ أم أنه سيستمر بالهروب من نفسه؟! .. إن ترياقه الوحيد العزلة التي يهرب منها ، والصمت هو دائه ودوائه .. إنه يرتاب من مواجهة نفسه وأفكاره ، ولهذا في حديثه يجعل الآخرين يواجهون مخاوفهم وأفكارهم ،، يعلم أنه شخص ناقص مثل أي بشري آخر..

سيتحدث مع صمته ويقول له: لاترحمني ولا تعطف علي ، دعني أتواجه مع ذلك الإعصار ، مع ذلك التسونامي الذي يتحرك بداخلي ، ودعنا نرى من سيفوز بالمعركة ، فلقد يأست الهروب من المواجهة ، وأصبحت أتقزز من نفسي حينما أجرِّحك بالكلام .. حان وقت الحرب التي إما ستنتهي بهزيمتي أو السلم ، إنني لا أريد الفوز ، فقط أريد السلام أيها الصمت .. السلام.

أضف تعليق