حكاية قصيرة

جاء الوقت لكتابة مذكراتي كما أفعل في العادة قبل النوم؛ لقد رجعت إلى منزلي في هذه الساعة المتأخرة … لقد كان يومي حافل مليئ بالسرور والأحداث الجميلة ، ونفسي تعتريها سعادة لا متناهية حاملا ذكرى هذا اليوم في قلبي ، وقلت حينها لعلي لن أنسى هذا اليوم في حياتي. ولكن رغم فرط السعادة التي كنت أشعر بها وحبي الجارف للحياة في تلك اللحظة ، إلا أنها كانت تعتريني شكوك حيال صدق المنبع التي تنبثق منه هذه السعادة ، بطبيعة الحال لم ألتفت لها فما هذه إلا وسوسة شيطان لعين. في تلك الليلة لقد كنت عازما على تسجيل مذكراتي لأصف بها جل الأحداث التي حدثت في يومي هذا ، وكما تعلمون نوادر هي الأيام التي يسجل بها الشخص في مذكراته أحداث جميلة تبعث في نفسه السرور. لقد عزمت أمري على الكتابة بلغة عربية فصحى على غير العادة وأن أصف الأحداث بشكل دقيق وبدأت بكتابتي: “ليلة من الليالي الهادئة الحالمة التي إذا نظرت فيها إلى السماء ستجد الهلال ضاحكا مستبشرا على غير العادة لمدينة جدة؛ اه ما أجمل هذه المدينة الرقيقة التي تأسر الجميع إليها دون إستئذان. لقد ذهبت إلى..الخ”. أكتفي بكتابة الإستهلال وهذا كافي لوصف نقاء شعوري حينها… بعد مرور سنة لقد تراءى لي أن ذلك اليوم ومافيه من أحداث تبعته كانت مزيفة. نعم إن الإنسان من الممكن أن يشعر بشعور صادق من الحزن او الفرح يؤثر عليه طيلة حياته بسبب حدث فيه من الزيف مافيه. وعند التحدث عن الزيف هنا نتحدث أن الشخص لم يكن يرى الأحداث بصورتها الحقيقية … لقد تحطمت نفسي وكرهت كل شيء يتعلق بتلك الذكرى وذلك اليوم المشؤوم ، إلا بالطبع حديثي عن مدينة جدة حينها ، الله وحده يعلم مافي ذلك من حقيقة وصدق غير مرتبط بزمن … لقد عزمت أمري على حذف كل مافي تلك الصفحات التي لن تمحى من ذاكراتي طوال الدهر مهما حذفتها. كثير من الأحيان يريح الإنسان إختفاء الأدلة المادية للذكرى ، رغم علمه أنها لن تختفي من ذاكرته أبدا. ولكنني رغم ذلك لم أترك تاريخ ذلك اليوم في مذكراتي فارغ ، بل أنني كتبت فيه: “لقد كان حسن الظن بعض مذاهبي فأدبني هذا الزمان وأهله.” أصغي إلى شيطانك ففي بعض الأحيان يتجسد الشيطان على هيئة الضمير.

أضف تعليق